الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة باع سهما في رحا واستثنى البائع على المشترى: قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال؛ لأن الرحا لا ينتفع بها إلا بسدها؛ فإذا لم يكن له في السد حق، كان انتفاعه بالسهم الذي اشترى موقوفا على اختيار صاحب السد، إذ من حقه أن يهدمه، وإن انهدم ألا يقيمه، وذلك من أعظم الغرر. .مسألة يشتري الزيت من الزيات فيسقط الكيل من يد المشتري: فقال: إن كان سقط الكيل من يده بعد أن أوفاه الكيل، وامتلأ الكيل، فالتلف من المشتري؛ وإن كان سقط من يده قبل أن يمتلئ الكيل، فالتلف من البائع؛ وسئل: عن رجل اشترى من رجل زيتا، فقال البائع للمشتري: خذ الكيل وكل لنفسك، فكال المشتري، فسقط منه الكيل وهو ملآن فاهراق؛ قال: مصيبته من المشتري؛ لأنه قد تقاضاه لنفسه، قيل له: فإن سقط منه الكيل قبل أن يمتلئ، فقال: المصيبة من البائع. قال محمد بن رشد: وكذلك إذا تولى المشتري الوزن لنفسه، فلما استوى لسان الميزان، سقط من يده فتلف؛ أنه من المشتري مثل الكيل، قاله سحنون في غير العتبية على قياس قوله في الكيل؛ وذلك خلاف ما مضى من قول ابن القاسم في رسم نقدها من سماع عيسى، وفي رسم يشتري الدور من سماع يحيى؛ وكذلك لو كان المتولي للكيل هو أجير المبتاع، أو وكيله، أو مستنابه، أو أجير لهما جميعا. وأما إن كان البائع هو المتولي للكيل، فلا اختلاف في أن ضمان ما في الكيل من البائع وإن امتلأ حتى يصبه في وعاء المشتري، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم نقدها من سماع عيسى. .مسألة اشترى من رجل زيتا فكال له البائع حتى فرغ: قال محمد بن رشد: وكذلك لو كان البائع هو الذي يكيل، فكال من الخابية الثانية فصبه على الزيت الذي كان من الخابية الأولى بأمر المشتري، لكان ضمانه من المشتري؛ لأنه إنما صبه عليه بأمره، قاله ابن القاسم في رسم العرية من سماع عيسى؛ وقد مضى القول على ذلك هناك، فلا معنى لإعادته؛ ومصيبة ما صب عليه من الزيت النجس من البائع، ويكونان في ذلك شريكين على قدر الخبيث من الطيب، قاله ابن القاسم في رواية ابن أبي جعفر عنه، وهو صحيح. .مسألة باع كرمه ممن يعصره خمرا من مسلم أو نصراني: قال محمد بن رشد: ساوى سحنون بين أن يبيع الرجل كرمه من نصراني أو ممن يعصره خمرا من المسلمين، وقال: إن البيع يفسخ في المسألتين جميعا؛ وقاسهما على النصراني يشتري العبد المسلم وليستا بسواء، إذ لا اختلاف في وجوب فسخ بيع من باع كرمه ممن يعصره خمرا من المسلمين، فلا يصح قياس ذلك على النصراني يشتري العبد المسلم، إذ قد اختلف هل يفسخ البيع فيه، أو يباع عليه. قال في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة: إنه يباع عليه ولا يفسخ البيع وله في موضع آخر منه وفي المديان والشفعة ما يدل على أنه يفسخ البيع ولا يباع عليه؛ ومن حق القياس أن يرد ما اختلف فيه إلى ما اتفق عليه، لا ما اتفق عليه إلى ما اختلف فيه؛ وأما بيع الكرم من النصراني، فهو بمنزلة بيع العبد المسلم منه، ذهب سحنون إلى أن بيع العبد المسلم منه يفسخ، فقاس عليه بيع الكرم منه، وذهب أشهب إلى أن العبد يباع عليه، فقاس عليه بيع الكرم منه، وقع قول أشهب في سماع سحنون من كتاب السلطان. واختلف على القول بأنه يفسخ ولا يباع عليه إن لم يعثر عليه حتى باعه النصراني من مسلم، فقال ابن الماجشون: يفسخ البيع أيضا ولو كانوا عشرة، ويترادون الثمن حتى يرجع إلى بائعه من النصراني؛ وقال ابن القاسم: لا يفسخ إذا باعه من مسلم، وهو القياس؛ وإذا لم يفسخ، فقيل: إنه يرد إلى القيمة، وقيل: إنه يمضي بالثمن، وهو قول ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب السلطان في الذي يبيع العنب ممن يعصره خمرا، أنه يمضي إذا فات؛ ولو باع المسلم كرمه أو عبده المسلم من النصراني وهو يظنه مسلما، لبيع عليه ولم يفسخ قولا واحدا. .مسألة شراء النخل من أصلها وفي رؤوسها ثمر لم يبد صلاحه: قال محمد بن رشد: هذا معلوم من قول سحنون، ومذهب ابن الماجشون أن ما أجيز بيعه مع غيره وجعل في حكم التبع له كالزرع الذي لم يطب مع الأرض، والثمر الذي لم يطب مع النخل، وما أشبه ذلك؛ يرى أنه لم يقع عليه حصة من الثمن، فيجوز بيعه بالدنانير، والدراهم، والطعام نقدا وإلى أجل ولا يرى في استحقاقه رجوعا للمشتري، وابن القاسم لا يجيز بيع ذلك بشيء من الطعام نقدا ولا إلى أجل، ويرى للمشتري أن يرجع بما يقع له من الثمن- إذا استحق؛ وكذلك الحلي المصوغ بالذهب، إذا كان الذهب فيه الثلث، فأقل، يجيز بيعه بالذهب نقدا وإلى أجل ولا يرى للمشتري في استحقاقه رجوعا على البائع خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك؛ وقد مضى هذا المعنى في رسم العرية من سماع عيسى وفي غيره من المواضع، وبالله التوفيق. .مسألة يسوم بالدابة فيقول له رجل تبيعني بكذا وكذا فيقول لا أفعل إلا بكذا: قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف فيها، إذ قد تبين بتردد المماكسة بينهما، أنه كان مجدا في السوم، مريدا للبيع، غير لاعب ولا هازل؛ وقد مضى من القول على هذه المسألة في أول رسم من سماع أشهب من هذا الكتاب، ومن كتاب العيوب ما فيه كفاية، فلا معنى لإعادته. .مسألة سام بسلعة فلما قبضها وأراد الانقلاب بها قال قد أخذتها بعشرة: قال محمد بن رشد: هذه مسألة جيدة، إلا أنها خفية المعنى ناقصة الوجوه؛ وأنا أبين ما خفي منها وأتمم ما نقص من وجوهها إن شاء الله تعالى؛ إنما رجع في السلعة إلى القيمة إذا فاتت بيد المبتاع؛ لأنه قبضها وانقلب بها على غير اتفاق في الثمن؛ إذ لا يلزم المبتاع الأحد عشر بقول البائع له: تأخذها بأحد عشر؛ ولا يلزم البائع أخذ العشرة بقول المبتاع، لا أزيدك على عشرة، إلا أن البائع قد رضي في سلعته بأحد عشر، والمبتاع قد رضي أخذها بعشرة؛ فإذا فاتت كانت فيها القيمة ما لم تكن أكثر من أحد عشر، ولا أقل من عشرة؛ وسواء فاتت السلعة بيد المبتاع، أو أفاتها هو؛ إذ لم يقل له البائع لا أنقصك فيها من أحد عشر، وإنما عرض عليه أن يأخذها بذلك، إلا أن يفيتها بحضرة البائع وهو ساكت، مثل أن يكون طعاما فيأكله، أو شاة فيذبحها، أو ثوبا فيقطعه، أو كراء دار فيسكنها، وما أشبه ذلك؛ فيلزمه أخذ العشرة فيها، لسكوته على تفويته إياها، وقد سمع قوله لا أزيدك فيها شيئا على عشرة. ولو قال له لا أنقصك فيها من أحد عشر، فأخذها المبتاع، وقال: لا أزيدك فيها على عشرة شيئا، فلما انقلب بها أفاتها، كان ثوبا فقطعه، وما أشبه ذلك؛ لزمته فيها الأحد عشر إذا أفاتها، وقد سمع قول البائع لا أنقصك فيها من أحد عشر شيئا؛ ولو أفاتها المبتاع بحضرة البائع وهو ساكت بوجه من وجوه الفوت التي ذكرناها، وما أشبهها، لوجب أن يلزم من قولهما القول الآخر الذي افترقا عليه؛ فإن كان المبتاع قد قال للبائع أولا: لا أزيدك على عشرة، فقال له البائع: لا أنقصك فيها من أحد عشر شيئا، لزمت المبتاع الأحد عشر بتفويته إياها؛ وإن كان البائع قد قال للمبتاع أولا: أنقصك فيها من أحد عشر شيئا، فقال له المبتاع: لا أزيدك فيها شيئا على عشرة، لزم البائع أن يأخذ العشرة لسكوته على تفويته إياها، وقد سمع قوله لا أزيدك فيها شيئا على عشرة، وهذا كله بين، يبينه ما وقع في سماع عيسى من كتاب كراء الدور، وما رواه ابن أبي جعفر عن ابن القاسم في الدمياطية؛ لأن بعض هذه المسائل يبين بعضا ليس في شيء منها خلاف الآخر، كما ظن من قصر في النظر، وبالله التوفيق. .مسألة اشترى من رجل دارا على أن فيها مائة ذراع فوجد فيها مائة ذراع وذراع: قال محمد بن رشد: المعنى في شراء الشقة على أن فيها سبعة أذرع، والخشبة على أن فيها عشرة أذرع إذا كانت غائبة فاشتراها على الصفة، فأما لو كانت حاضرة، لم يجز عقد البيع فيها إلا بعد كيلها إذ لا مؤونة في ذلك، وأما الصبرة والدار فيجوز عقد البيع فيهما على أن فيهما كذا وكذا قبل أن تكال الصبرة أو تذرع الدار، لمؤونة الكيل والتذريع، فلا يلزم التذريع والكيل قبل عقد البيع، وقد مضى بقية القول على هذه المسألة مستوفى في أول سماع أشهب، فلا معنى لإعادته. .مسألة السكران الذي ليس يعقل وليس معه من عقله شيء أيجوز بيعه: قال محمد بن رشد: هذه المسألة قد مضى من القول فيها وتحصيل الخلاف، ما لا مزيد عليه في أول سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، فلا معنى لإعادته. .مسألة اشترى أرطالا من لحم فانكسر الميزان: قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم سلف من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. .مسألة بيع الجوز جزافا: قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن ما يعد أو يكال أو يوزن، لا يجوز بيعه جزافا، إلا مع استواء البائع والمبتاع في الجهل بعدما يعد منه، أو وزنه، أو كيله؛ لأنه متى علم ذلك أحدهما وجهله الآخر كان العالم منهما بذلك قد غر الجاهل وغشه؛ فإذا علم عدد الجوز ولم يجز أن يبيعه جزافا وإن كان العرف فيه أن يباع كيلا؛ لأنه يعرف قدر كيله بمعرفة عدده؛ وأما معرفة عدد القثاء، فلا تأثير له في المنع من بيعه جزافا، إذ لا يعرف قدر وزنه بمعرفة عدده، لاختلافه في الصغر والكبر، بخلاف الجوز الذي يقرب بعضه من بعض. .مسألة يشتري من رجل طعاما بعينه على الكيل بنقد أو إلى أجل: قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال: إن البيع لا يفسخ بتأخير القبض إذا كان ذلك بغير شرط، بخلاف الصرف؛ وقد مضى هذا المعنى في آخر أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال، وفي أول رسم من سماع عيسى منه، ومضى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف؛ تفصيل القول فيما يجوز من ذلك في الصرف، فلا وجه لذكره في غير موضعه. .مسألة اشترى من رجل شعيرا بدينار ودفع إليه الدينار: قال محمد بن رشد: هذا بين كما قال؛ لأنه إذا باع منه الشعير الذي عنده بأن أراه إياه أو شيئا منه، أو وصفه له؛ فليس له أن يستهلكه بوجه من وجوه الاستهلاك بعد أن أوجبه بالبيع للمشتري؛ فإن فعل، وجب عليه أن يأتي المشتري بمثله. قال ابن القاسم: في السلم الثالث من المدونة: ولا يكون المبتاع بالخيار في أن يأخذ منه الثمن، ولا يضمنه مثل الطعام؛ وقال أشهب: هو في ذلك بالخيار، وقد مضى ما يدخل التخيير في ذلك من المكروه عند ابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى، ولو هلك الشعير عند البائع ولم يستهلكه هو؛ لانتقض البيع بينهما. .مسألة باع ثوبا بعشرة دنانير حالة على أن يقضيها المشتري رجلا: قال محمد بن رشد: إنما لم يجز هذا البيع؛ لأنه إنما باع منه الثوب على أن يبرئ ذمته من الدين الذي عليه للأجنبي، وليس ذلك بيده؛ لأن الدين ثابت عليه لا يبرئ ذمته منه، وينتقل صاحب الدين إلى ذمة المشتري إلا بحوالة يرضى بها كما قال؛ ولو باع منه الثوب على أن يدفع الثمن إلى رجل له عليه دين دون أن تبرأ ذمة المشتري من دين غريمه، أو تبرأ ذمة المشتري من الثمن حتى يدفعه؛ لكان البيع جائزا، فقد أجاز في المدونة أن يشتري الحميل سلعة من الذي عليه الدين على أن يدفع ثمنها إلى المحمول عنه بالدين، وهذا بين، والله أعلم. .مسألة العبد يكون بين الرجلين فيبيع أحدهما حصته من العبد ولا يستثني: قال محمد بن رشد: إنما لم يجز هذا البيع؛ لأنه مقاسمة للشريك في مال العبد بغير أمره، وليس لأحد من الشركاء أخذ شيء من مال العبد إلا برضا من جميعهم، ولو باعه من شريكه لجاز وإن لم يستثن ماله؛ لأن ذلك مقاسمة له منه في مال العبد، وقد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم استأذن من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. .مسألة يشتري من الرجل عبدا غائبا مما لا يجوز فيه النقد على الصفة: قال محمد بن رشد: أما الإقالة من السلعة الغائبة المشتراة على الصفة بشرط أن الضمان من المشتري بالعقد إن كانت على الصفة يومئذ، أو على القول بأن الحكم يوجب أن يكون الضمان منه، إلا أن يشترط أن الضمان على البائع حتى يقبضها المبتاع؛ وهو قول مالك الأول، فلا يجوز باتفاق؛ لأنه يدخله فسخ الدين في الدين؛ لأن السلعة إن كانت على الصفة يوم العقد، فقد وجبت للمبتاع وصار الضمان منه، ووجب عليه الثمن؛ فإذا أقال البائع فيها، كان قد فسخ الثمن الذي وجب له على المبتاع في سلعة غائبة لا يقبضها، ولا هي في ضمانه؛ وأما إقالته منها إذا كان الضمان من البائع حتى يقبضها المبتاع إما باشتراط المبتاع ذلك عليه، وإما بأن الحكم أوجب ذلك عليه، وهو القول الذي رجع إليه مالك، وبه يقول ابن القاسم؛ فاختلف فيها؛ أجاز ذلك سحنون هاهنا؛ لأن الضمان من البائع، فلم يجب للبائع قبل المشتري دين يكون قد فسخه في شيء لم يقبضه، فصار ذلك حلا للعقد الأول، إذ لم ينتقل بذلك الضمان عما كان عليه، وقاس ذلك أيضا على إجازة مالك الإقالة من الجارية التي هي في المواضعة وبيعها بربح إذا لم ينتقد الربح؛ ولم يجز ذلك في المدونة، قال في التفسير الثاني؛ لأن السلعة للمشتري وإن كان ضمانها من البائع، ألا ترى أنه لا يقدر على بيعها من غيره، ولا يرجع في بيعه، فأشبه ذلك بيع الغائب، وقول سحنون أظهر، إذ لا فرق بين الإقالة من الجارية التي في المواضعة، وبين السلعة الغائبة على القول بأن الضمان من البائع، إلا من وجه أنه لم يختلف في أن ضمان الجارية في المواضعة من البائع؛ وقد اختلف في ضمان السلعة الغائبة على الصفة، ومن مذهبه مراعاة الخلاف؛ وقد تأول قول مالك في المدونة على مذهبه فقال في قوله فيها إن الإقالة لا تجوز لأنها دين بدين؛ وهذا على الحديث الذي جاء في السلعة إن أدركتها الصفقة قائمة مجتمعة وليس ذلك بصحيح؛ بل لا تجوز الإقالة فيها عند ابن القاسم وروايته عن مالك، كان الضمان من البائع أو من المبتاع، يبين ذلك من مذهبهما ما ذكرته مما وقع في التفسير. .مسألة أتيا إلى رجل فابتاع أحدهما منه جاريته ونقد الثمن: قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن كل واحد منهما يدعي أنه دفع إليه الثمن في الجارية وهو لا يكذب واحدا منهما، فوجب أن يبرأ إليهما بالجارية والثمن؛ لأن كل واحد منهما يقول له: لابد أن تدفع إلي الجارية أو ترد علي الثمن؛ ويحلف كل واحد منهما، أنه اشترى الجارية ودفع الثمن فيها إلى البائع؛ فإن حلفا جميعا، أو نكلا جميعا، كانت الجارية والثمن بينهما، وان حلف أحدهما ونكل الآخر، كان القول قول الحالف، وبالله التوفيق. .مسألة يبيع من الرجل طعاما إلى أجل: قال محمد بن رشد: قول سحنون أصح من قول ابن القاسم؛ لأن الطعام إذا كان مخالفا للطعام الذي باع منه، فقد علم أنه غيره، وصح أنهما صفقتان، باع طعاما واشترى طعاما آخر، فلا وجه للتهمة في ذلك، إلا أن يشتري منه الطعام المخالف للذي باعه بمثل الثمن إلى ذلك الأجل؛ لأن الثمن يكون مقاصة في الثمن، ويصير قد دفع طعاما في طعام مخالف له، فيتهمان على ذلك، كذلك إن كان الأجل قد حل فاشتراه بثمن نقد؛ على أن يقاصه به في الثمن الذي حل له عليه؛ وأما إن اشتراه منه بالنقد والثمن لم يحل أو إلى أجل، والثمن نقدا أو إلى أجل مخالف له، فذلك جائز ولا يدخله الاقتضاء من ثمن الطعام طعاما؛ لأن الثمن الذي باع به منه الطعام يقتضيه منه عند أجله، فيكون الطعام الذي قبض منه، إنما هو الطعام الذي اشترى منه بعد ذلك، إما بما نقده من الثمن إن كان اشتراه بالنقد، وإما بالثمن المؤجل الذي يؤديه عند حلول أجله؛ وقول ابن القاسم إنه لا خير أن يشتري منه بالنقد إذا كان ذلك قبل الأجل، كلام كان أشبه أن يكون بالعكس؛ لأن الأجل وإذا كان قد حل واشتراه بالنقد، يكون النقد مقاصة فيما حل له من الثمن، فيصير قد أخذ في الطعام الذي باع منه طعاما مخالفا له؛ وإذا لم يحل الأجل، امتنعت المقاصة، فصار الطعام الذي يأخذ منه مشترى بالثمن الذي اشتراه به، لا مقتضى من الثمن الذي باع به منه الطعام؛ لأنه يأخذه منه عند أجله. وقوله في آخر كلامه: وإن حل الأجل فلا يجوز له أن يبتاع منه طعاما- صحيح، إن كان يريد أنه لا يبتاعه منه بالنقد، من أجل أنه يصير مقاصة بالثمن الذي حل له عليه من ثمن الطعام الذي باع منه، فيكون قد دفع طعاما وأخذ طعاما مخالفا له، فيتهمان على القصد إلى ذلك، وقول سحنون هو عندي جائز حل الأجل أو لم يحل، إذا اشترى منه بنقد، معناه: إذا اشتراه بنقد فنقده ولم يقاصه؛ إن كان الأجل قد حل. وليس في قوله إذا اشتراه بنقده، دليل على أنه لا يجوز إلى أجل، بل يجوز على مذهبه بالنقد وإلى أجل، ما لم يكن إلى مثل الأجل الذي باع منه الطعام، أو لا يكون مقاصة به؛ فإنما شرط النقد تحذرا من أن يشتريه منه إلى ذلك الأجل بعينه، فيكون مقاصة. .مسألة يبتاع الأرض من الرجل أو الدار: قال محمد بن رشد: شراء الرجل من الرجل الدار، أو الأرض، لا يخلو من أربعة أوجه: أحدها: أن يكون المبتاع مقرا للبائع باليد والملك، والثاني: أن يقر له بالملك، ولا يقر له باليد؛ والثالث: أن يقر له باليد ولا يقر له بالملك؛ والرابع: لا يقر له بيد ولا بملك، فأما إذا كان مقرا له باليد والملك، فلا يلزمه أن يحوزه ما باع منه ويسلمه إليه وينزله فيه؛ وإن دفعه دافع عن النزول في ذلك، أو استحقه مستحق بعد النزول فيه، فهي مصيبة نزلت به على قول سحنون هذا. والصواب أنه يلزمه أن ينزله فيما باع منه ويسلمه إليه، بمنزلة إذا كان مقرا له بالملك غير مقر له باليد، مخافة أن ينهض لينزل فيه فيمنعه وكيله فيه، أو أمينه عليه من النزول فيه، ويقول له: لا أدري صدق ما تدعيه من شرائه، فإن نزل فيه وصار بيده على الوجهين، فاستحقه منه مستحق؛ كانت مصيبة نزلت به على قول سحنون هذا. وعلى ما في سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب الاستحقاق، خلاف قول أشهب في المجموعة، وقد قيل: إنه خلاف ما تقدم من سماع عبد الملك في كتاب الحوالة والكفالة من قول ابن وهب وأشهب، وليس ذلك عندي بصحيح على ما سنبينه في موضعه إن شاء الله تعالى، وأما إذا كان مقرا له باليد غير مقر له بالملك، فعلى مذهب سحنون لا يلزم البائع أن يحوزه ما باع منه. والصواب أن ذلك يلزمه على ما ذكرناه، للعلة التي وصفناها؛ فإن استحق من يده شيء من ذلك، وجب له الرجوع بذلك على البائع، وأما إذا كان غير مقر له باليد ولا بالملك، فلا اختلاف في أنه يلزمه أن يحوزه ما باع منه وينزله فيه؛ مخافة أن ينهض لقبض ذلك والنزول فيه، فيمنعه منه مانع؛ فإن استحق من يده شيء من ذلك، وجب له الرجوع به على البائع أيضا، وضمان ما يطرأ على ذلك بعد عقد البيع وإن كان قبل القبض في الوجوه كلها من غصب أو غرق، أو هدم، أو حرق، وما أشبه ذلك من المبتاع؛ إلا على القول بأن السلعة المبيعة في ضمان البائع، وإن قبض الثمن وطال الأمر، ما لم يقبضها لها المبتاع أو يدعوه البائع إلى قبضها فيأبى، وهو قول أشهب. وقد مضى في آخر سماع سحنون الاختلاف في ضمان المحبوسة بالثمن، للخروج من هذا الاختلاف يقول الموثقون في وثائقهم ونزل المبتاع فيما ابتاع، وأبرأ البائع من درك الإنزال؛ لأنه بنزوله فيما ابتاع، يسقط الضمان عن البائع باتفاق؛ ومن حق المبتاع أيضا إذا ابتاع أملاكا في قرية من رجل، أن ينزله فيما باع منه بمحضر شهيدي عدل يتطوف معهما على الأملاك، ويوقفهما على حدودها؛ مخافة أن يستحق عليه منها شيء، فينكره البائع أن يكون باع منه ذلك الموضع المستحق؛ فلكل واحد من المتبايعين حق في الإنزال على صاحبه إذا دعا إليه، وجب أن يحكم له به على البائع ليسقط عنه الضمان المختلف في لزومه إياه، والمبتاع ليجد السبيل إلى الرجوع عليه بما يستحق من يديه.
|